سورة النازعات - تفسير تفسير الرازي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (النازعات)


        


{فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى (34)}
وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: الطامة عند العرب الداهية التي لا تستطاع وفي اشتقاقها وجوه، قال المبرد: أخذت فيما أحسب من قولهم: طم الفرس طميماً، إذا استفرغ جهده في الجري، وطم الماء إذا ملأ النهر كله، وقال الليث: الطم طم البئر بالتراب، وهو الكبس، ويقال: طم السيل الركية إذا دفنها حتى يسويها، ويقال للشيء الذي يكبر حتى يعلو قد طم، والطامة الحادثة التي تطم على ما سواها ومن ثم قيل: فوق كل طامة طامة، قال القفال: أصل الطم الدفن والعلو، وكل ما غلب شيئاً وقهره وأخفاه فقد طمه، ومنه الماء الطامي وهو الكثير الزائد، والطاغي والعاتي والعادي سواء وهو الخارج عن أمر الله تعالى المتكبر، فالطامة اسم لكل داهية عظيمة ينسى ما قبلها في جنبها.


{يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى (36)}
المسألة الثانية: قد ظهر بما ذكرنا أن معنى الطامة الكبرى الداهية الكبرى، ثم اختلفوا في أنها أي شيء هي، فقال قوم: إنها يوم القيامة لأنه يشاهد فيه من النار، ومن الموقف الهائل، ومن الآيات الباهرة الخارجة عن العادة ما ينسى معه كل هائل، وقال الحسن: إنها هي النفخة الثانية التي عندها تحشر الخلائق إلى موقف القيامة، وقال آخرون: إنه تعالى فسر الطامة الكبرى بقوله تعالى: {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى * وَبُرّزَتِ الجحيم لِمَن يرى} فالطامة تكون اسماً لذلك الوقت، فيحتمل أن يكون ذلك الوقت وقت قراءة الكتاب على ما قال تعالى: {وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القيامة كِتَابًا يلقاه مَنْشُوراً} [الإسراء: 13] ويحتمل أن تكون تلك الساعة هي الساعة التي يساق فيها أهل الجنة إلى الجنة وأهل النار إلى النار، ثم إنه تعالى وصف ذلك اليوم بوصفين:
الأول: قوله تعالى: {يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الإنسان مَا سعى} يعني إذا رأى أعماله مدونة في كتابه تذكرها، وكان قد نسيها، كقوله: {أحصاه الله وَنَسُوهُ} [المجادلة: 6].
الصفة الثانية: قوله تعالى: {وَبُرّزَتِ الجحيم لِمَن يرى} وفيه مسألتان:
المسألة الأولى: قوله تعالى: {لِمَن يرى} أي أنها تظهر إظهاراً مكشوفاً لكل ناظر ذي بصر ثم فيه وجهان:
أحدهما: أنه استعارة في كونه منكشفاً ظاهراً كقولهم: تبين الصبح لذي عينين.
وعلى هذا التأويل لا يجب أن يراه كل أحد والثاني: أن يكون المراد أنها برزت ليراها كل من له عين وبصر، وهذا يفيد أن كل الناس يرونها من المؤمنين والكفار، إلا أنها مكان الكفار ومأواهم والمؤمنون يمرون عليها، وهذا التأويل متأكد بقوله تعالى: {وَإِن مّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا} إلى قوله: {ثُمَّ نُنَجّى الذين اتقوا} [مريم: 72 71] فإن قيل: إنه تعالى قال في سورة الشعراء: {وَأُزْلِفَتِ الجنة لِلْمُتَّقِينَ * وَبُرّزَتِ الجحيم لِلْغَاوِينَ} [الشعراء: 91 90] فخص الغاوين بتبريرها لهم، قلنا: إنها برزت للغاوين، والمؤمنون يرونها أيضاً في الممر، ولا منافاة بين الأمرين.
المسألة الثانية: قرأ أبو نهيك {وَبُرّزَتِ} وقرأ ابن مسعود: لمن رأى، وقرأ عكرمة: لمن ترى، والضمير للجحيم، كقوله: {إِذَا رَأَتْهُمْ مّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ} [الفرقان: 12] وقيل: لمن ترى يا محمد من الكفار الذين يؤذونك.
واعلم أنه تعالى لما وصف حال القيامة في الجملة قسم المكلفين قسمين: الأشقياء والسعداء، فذكر حال الأشقياء.


{فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآَثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى (39)}
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: في جواب قوله: {فَإِذَا جَاءتِ الطامة الكبرى} [النازعات: 34] وجهان الأول: قال الواحدي: إنه محذوف على تقدير إذا جاءت الطامة دخل أهل النار النار، وأهل الجنة الجنة، ودل على هذا المحذوف، ما ذكر في بيان مأوى الفريقين، ولهذا كان يقول مالك بن معول في تفسير الطامة الكبرى، قال: إنها إذا سبق أهل الجنة إلى الجنة، وأهل النار إلى النار والثاني: أن جوابه قوله: {فَإِنَّ الجحيم هِىَ المأوى} وكأنه جزاء مركب على شرطين نظيره إذا جاء الغد، فمن جاءني سائلاً أعطيته، كذا هاهنا أي إذا جاءت الطامة الكبرى فمن جاء طاغياً فإن الجحيم مأواه.
المسألة الثانية: منهم من قال: المراد بقوله: {طغى * وَءَاثَرَ الحياة الدنيا} النضر وأبوه الحارث فإن كان المراد أن هذه الآية نزلت عند صدور بعض المنكرات منه فجيد وإن كان المراد تخصيصها به، فبعيد لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، لا سيما إذا عرف بضرورة العقل أن الموجب لذلك الحكم هو الوصف المذكور.
المسألة الثالثة: قوله صغى، إشارة إلى فساد حال القوة النظرية، لأن كل من عرف الله عرف حقارة نفسه، وعرف استيلاء قدرة الله عليه، فلا يكون له طغيان وتكبر، وقوله: {وَءَاثَرَ الحياة الدنيا} إشارة إلى فساد حال القوة العملية، وإنما ذكر ذلك لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: حب الدنيا رأس كل خطيئة ومتى كان الإنسان والعياذ بالله موصوفاً بهذين الأمرين، كان بالغاً في الفساد إلى أقصى الغايات، وهو الكافر الذي يكون عقابه مخلداً، وتخصيصه بهذه الحالة يدل على أن الفاسق الذي لا يكون كذلك، لا تكون الجحيم مأوى له.
المسألة الرابعة: تقدير الآية: فإن الجحيم هي المأوى له، ثم حذفت الصلة لوضوح المعنى كقولك للرجل غض الطرف أي غض طرفك، وعندي فيه وجه آخر، وهو أن يكون التقدير: فأن الجحيم هي المأوى، اللائق بمن كان موصوفاً بهذه الصفات والأخلاق. ثم ذكر تعالى حال السعداء فقال تعالى:

2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8 | 9